تقرير المصير وحده هو الحل القابل للبقاء. هو الحل الذي يعيد القرار للشعب الذي دفع ثمن الصراع، وهو الحل الذي تختاره الأمم المتحدة عندما تريد إنهاء نزاع وليس ترحيله. المجتمع الصحراوي لم يعد يقبل أن يتكلم الآخرون باسمه، ولا أن يتحوّل مستقبله إلى صفقة سياسية. والتجارب العالمية كلها تقول إن الحلول التي تتجاهل إرادة الشعوب تنفجر عاجلاً أم آجلاً. المخزن يعرف هذا جيداً، ولذلك يحاول الالتفاف على الاستفتاء بكل الطرق، من العبث الدبلوماسي إلى الضخ الإعلامي.
Tags : الصحراء الغربية المغرب موريتانيا الحكم الذاتي
قرار مجلس الأمن الأخير لم يمنح المغرب شيئاً مما يحاول الترويج له، ولم يمنحه شرعية سياسية ولا قانونية، بل أعاد تصنيف “الحكم الذاتي” كأحد المقترحات الممكنة لا أكثر، وضعه في مرتبة أقل من أن يُبنى عليه حلّ نهائي، وأبقى المبدأ الحاكم للنزاع كما كان دائماً: تقرير المصير هو الطريق الوحيد الذي يُعتدّ به دولياً.
كل ما فعله المخزن هو محاولة قلب المعنى، وتضخيم جملة دبلوماسية عابرة إلى “انتصار” لا يوجد إلا في الإعلام الذي اشتراه بالمال السياسي. الوثيقة الأممية لم تعتبر الحكم الذاتي حلاً على الإطلاق، بل وضعته إلى جانب مقترحات أخرى، وحددت أن أي حل يجب أن يحترم إرادة الشعب الصحراوي، وهذا الشرط وحده يسقط الطموحات التوسعية للمغرب ويعيد النقاش إلى قواعده: الأرض لأهلها وليس لمن يملك الضجيج الإعلامي.
الحكم الذاتي بصيغته الحالية ليس سوى صيغة هيمنة مغلّفة بلغة ناعمة، لا تمنح الشعب الصحراوي سيادة ولا قراراً، وتستبقي خيوط السلطة بيد جهة واحدة تتحكم في الأرض والثروة والسكان. هو مقترح وُلد ناقصاً، ويستمر ناقصاً، لأنه يتجاهل الحقوق التاريخية والقانونية، ويتعامل مع مجتمع كامل كملحق إداري. وكل من يفهم القانون الدولي يعرف أن هذا النوع من المقترحات لا يصمد أمام مبدأ تصفية الاستعمار، ولا أمام امتحانات الشرعية طويلة المدى. إنّ فرض حلّ من طرف واحد هو وصفة جاهزة لإعادة إنتاج النزاع، وليس لإنهائه.
تقرير المصير وحده هو الحل القابل للبقاء. هو الحل الذي يعيد القرار للشعب الذي دفع ثمن الصراع، وهو الحل الذي تختاره الأمم المتحدة عندما تريد إنهاء نزاع وليس ترحيله. المجتمع الصحراوي لم يعد يقبل أن يتكلم الآخرون باسمه، ولا أن يتحوّل مستقبله إلى صفقة سياسية. والتجارب العالمية كلها تقول إن الحلول التي تتجاهل إرادة الشعوب تنفجر عاجلاً أم آجلاً. المخزن يعرف هذا جيداً، ولذلك يحاول الالتفاف على الاستفتاء بكل الطرق، من العبث الدبلوماسي إلى الضخ الإعلامي.
وموريتانيا ليست خارج هذه القضية. علاقاتها مع الصحراء الغربية ليست علاقات حدود فحسب، بل علاقات دم ونسب ورحم وتاريخ واحد. الوقوف مع الشعب الصحراوي ليس مغامرة سياسية، بل واجب أخلاقي قبل أن يكون موقفاً دبلوماسياً. أما الحديث عن “التوازن بين الطرفين” فقد استُهلك وتجاوزته الأحداث. إذ لا يمكن لموريتانيا أن تقف على المسافة نفسها بين شعب تربطنا به أواصر القرابة وبين دولة لم يكن تاريخها معنا مشرفاً في اي مرحلة وآخره كان احداث 1989م .المغرب لم يقدم لنا سوى التهديد بالتوسع حين يستطيع، والضغط حين يعجز عن التوسع، والإرباك السياسي والاقتصادي حين يفشل كلياً وقتل أبناءنا على الحدود . تجربة عقود من التوتر تكفي لتبيان أن التعويل على النوايا المغربية والثقة فيهم مجرد وهم سياسي.
وإذا كان الصمت الرسمي مفهوماً من ناحية إدارة التوازنات، فإن صمت الإعلام ليس مفهوماً ولا مقبولاً ولا مبرراً. ما يجري في الساحة الإعلامية الموريتانية خلال الشهور الأخيرة فضيحة مدوية: شراء مواقف، رشوة مقنّعة، تحويلات مالية، إعلانات انتقائية، وإسكات منظّم للأصوات التي لا تخضع. الازدحام غير الطبيعي حول بعض المؤسسات ليس ظاهرة اقتصادية، بل مؤشر على موجة ضخ أموال هدفها الواضح أن يبقى الإعلام الموريتاني إمّا تابعاً للمخزن أو خائفاً منه. بعض القنوات والمواقع باتت تتكلم بالمغرب أكثر مما تتكلم بموريتانيا، وبعض الصحافيين يتصرفون كموظفين في ديوان الرباط وليس في مؤسسات وطنهم.
هذه ليست ممارسات طبيعية، ولا هي تنافس إعلامي شريف، بل عملية شراء ممنهجة للضمائر. وهنا تظهر مسؤولية الأقلام الحرة والكتاب والمدونين والمثقفين. المطلوب الآن ليس التعليق ولا التردد، بل موقف واضح يشرفنا: كشف هذه الممارسات، تحليل الوثيقة الأممية بصدق، توضيح أن الحكم الذاتي غير ملزم، وأن تقرير المصير ليس شعاراً بل حقاً قانونياً. المطلوب أن تُستعاد استقلالية الكلمة، وأن تُكسَر هيمنة المال القادم من الخارج، وأن يُعاد فتح النقاش بصوتٍ عالٍ لا يخشى شيئاً.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة بلا تجميل: المغرب لم يربح شيئاً، والحكم الذاتي ليس حلاً، والمخزن لا يتردد في شراء كل من يسكت ويضغط على كل من يتكلم. والشعب الصحراوي هو الطرف الوحيد الذي يملك الحقّ، وموريتانيا هي الدولة الوحيدة التي ترتبط به بروابط لا يمكن شراءها ولا تعديلها. المعركة اليوم ليست بين دول بقدر ما هي معركة بين الحق والمال، بين العدالة والدعاية، بين تاريخ مشترك وبين توسع لا حدود له. ومن يخون صوته اليوم سيجد نفسه غداً خارج التاريخ.
بقلم الكاتب الموريتاني : د.محمدعالي الهاشمي.
الصحراء_الغربية #المغرب #موريتانيا #الحكم_الذاتي#