شنّت وسائل الإعلام المغربية و”ذبابها الإلكتروني”، بتوجيه من المخابرات المغربية هجوما حادا على مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون، بعد تصريحاته القوية التي نسفت رواية الرباط حول قضية الصحراء الغربية. فقد وصفت صحيفة هيسبريس، إحدى المنابر المقربة من السلطة، اليوم في منشور لها، جون بولتون بأنه يقف “على الضفة المعاكسة للتوجه الرسمي لواشنطن”، معتبرة أن حديثه يشكّل محاولة لإحياء “خطاب متجاوز” ويتبنى ما أسمته “أطروحات البوليساريو الانفصالية”، متهمة إياه بتجاهل ما تدّعيه من “تحولات سياسية وتنموية” في الأقاليم الجنوبية!
وجاء الهجوم المغربي عقب سلسلة من التصريحات اللافتة لبولتون، كان أبرزها حوار مع صحيفة El Independiente الإسبانية في 6 جويلية 2025، دعا فيه واشنطن إلى العودة لسياسة دعم استفتاء تقرير المصير كما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وانتقد اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب، في ديسمبر 2020، بسيادة المغرب المزعومة على الإقليم مقابل اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وأكد جون بولتون أن المغرب ماطل لأكثر من 25 عامًا في تنفيذ الاستفتاء، رغم أن العملية، على حد قوله، “كانت ستكون سهلة التنفيذ” لو توفرت الإرادة السياسية. كما وصف محاولات الرباط تصنيف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية” بأنها “محض دعاية لا أساس لها من الصحة”، معتبرًا أن الحل الأمثل هو العودة إلى روح اتفاق 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن دوناد ترامب قد يغيّر موقفه إذا وجد “حافزًا” مناسبًا.
وفي تصريحات أخرى خلال حوار مع الصحفي الإسباني هيكتور بوخاري سانتوروم من إذاعة “ثورة الصحراء الغربية”، شدد جون بولتون مؤخرا على أن تنظيم استفتاء تقرير المصير ليس مجرد التزام قانوني وأخلاقي، بل ضرورة للحفاظ على الأمن في المنطقة، محذرًا من أن استمرار النزاع قد يهدد استقرار إفريقيا برمتها ويمتد أثره إلى أوروبا. وقال: “ما فعلناه سنة 1991 كان واضحًا وبسيطًا، وهو منح الشعب الصحراوي الكلمة ليقرر مستقبله… هذا الاستفتاء لم يكن لتقسيم بلد، لأن المغرب والصحراء الغربية لم يكونا بلدًا واحدًا قط”.
ووصف جون بولتون الوضع الحالي بأنه “غير عادل تمامًا”، معتبرًا أن إبقاء الصحراويين في مخيمات اللاجئين ليس حلًا مقبولًا. وأوضح أن الحكومة المغربية وافقت سنة 1991 على تنظيم الاستفتاء، لكنها عرقلت تنفيذه طوال أكثر من ثلاثة عقود، معتمدًة على سياسة الأمر الواقع.
وأكد امستشار الأمن القومي السابق أن هذه الأزمة تتجاوز حدود الصحراء الغربية، وترتبط باستقرار منطقة الساحل وأطماع المغرب التوسعية “كما تكشف بعض الخرائط الرسمية”. وحذّر قائلًا: “طالما استمرت هذه الفوضى في منطقة حيوية من إفريقيا، يبقى خطر انتشار عدم الاستقرار في القارة أو وصوله إلى أوروبا قائمًا”.
كما انتقد جون بولتون انحياز فرنسا للموقف المغربي، معتبرًا أن دولة تدّعي دعم الديمقراطية كان يجب أن ترى في منح الشعب الصحراوي حق التصويت أمرًا بديهيًا، لكنها لم تدعمه مطلقًا. ولفت إلى أن بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) فشلت في أداء مهمتها الأساسية، وهي تنظيم الاستفتاء وضمان بيئة آمنة لإجرائه، معتبرًا أن ضعف الأمم المتحدة في هذا الملف أمر غير مبرر، خاصة أن الاستفتاء لا يتعلق ببلد ضخم ومعقد، بل بإقليم صغير وعدد محدود من السكان.
وفي ما يتعلق بمحاولات تشويه كفاح جبهة البوليساريو، قال جون بولتون إن المغرب قام بخطوات عديدة لتقويض مصداقيتها لكنها سقطت أمام التدقيق الدولي الصارم، مشيدًا بقدرة الجبهة على إبقاء الاتحاد الإفريقي والحكومات الغربية على دراية بموقفها، والحفاظ على شبه إجماع إفريقي على أن الاستفتاء هو الحل. وأكد أن الجبهة لا تطالب المغرب بتنازلات جوهرية، بل فقط بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه منذ البداية.
وقد أربكت تصريحات جون بولتون، المدعومة بالحقائق التاريخية، والتي لاقت صدى واسعًا في الإعلام العالمي الرباط وأثارت قلق القصر الملكي، إذ أعادت ملف الصحراء الغربية إلى دائرة النقاش الدولي، وفتحت الباب أمام مراجعة الموقف الأمريكي، حتى وصفها بعض المراقبين بأنها “زلزال سياسي هزّ عرش الملك محمد السادس وكشف هشاشة الرواية الرسمية أمام الرأي العام العالمي.