هذه الفضيحة تضرب في الصميم الخطاب الرسمي الذي يقدّم المغرب " كواحة إستقرار "، وتنسف سردية “ الإحترافية الأمنية ” التي كثيرًا ما روّجت لها الرباط في علاقاتها مع الغرب، خاصة فرنسا وإسبانيا.. كما تُعري تناقضات النظام الذي يلاحق معارضيه في الخارج عبر آليات قمع خفية، ثم يجد نفسه عاجزًا أمام تمرّد داخل جهازه السيادي نفسه
Tags : المغرب المخابرات المغربية المديرية العامة للدراسات والتوثيق المهدي الحجاوي محمد ياسين المنصوري
في سابقة لافتة في تاريخ أجهزة الإستخبارات المغربية، فجّرت صحيفة لوموند الفرنسية فضيحة مدوّية تتعلّق بفرار مهدي حيجاوي، الرجل الثاني سابقًا في جهاز المخابرات الخارجية المغربية (لا دجيد)، إلى الخارج، وسط تضارب في المعطيات وغموض يكتنف مصيره، وتكتم رسمي في المغرب على هذا التطور الذي يهزّ العمق الأمني للنظام.
من هو مهدي حيجاوي؟؟
يُعد مهدي حيجاوي أحد الوجوه الأساسية في جهاز لادجيد، وقد شغل مهام تنفيذية بالغة الحساسية في الملفات العابرة للحدود، خاصة تلك المتعلقة بالتنسيق مع الأجهزة الغربية، والتجسس على المعارضين بالخارج، والتدخلات غير المشروعة في الشأن السياسي والإعلامي في أوروبا، وتشير تقارير إلى أن حيجاوي كان ذراعًا تنفيذية للرجل الأقوى في الجهاز، ياسين المنصوري، المدير العام المقرب من القصر.
تفاصيل الهروب وصدى لوموند
: بحسب تقرير لوموند الصادر مؤخرًا تحت عنوان
« In Morocco, scores are settled after a former spy chief flees abroad »
تكشف الصحيفة أن حيجاوي فرّ إلى أوروبا في ظروف غامضة، وأن خلافات داخلية أو صراعات نفوذ قد تكون وراء هروبه، بينما يضغط المغرب على دول أوروبية لتسليمه، بذريعة التورط في قضايا “ إحتيال وتزوير وإنتماء إلى شبكة إجرامية ”.
لكن خلف هذه العناوين القضائية، تقف فرضية أقوى وأكثر واقعية وهي أن حيجاوي يحمل ملفات ثقيلة ومتفجّرة حول تجاوزات جهاز المخابرات، وتورّط مسؤولين مغاربة نافذين في قضايا تجسس، فساد، وإنتهاكات لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل منه شاهدًا غير مرغوب فيه أكثر منه مجرمًا فارًا.
تصفية حسابات داخلية أم تمرد؟؟
عنوان لوموند نفسه يوحي بأكثر من مجرد حالة فرار.. » فتصفية الحسابات » عبارة لا تستخدم عبثًا في الإعلام الفرنسي، خاصة إذا تعلّق الأمر بجهاز دولة عميقة.
تشير المؤشرات إلى أن حيجاوي لم يهرب فقط هربًا فرديًا، بل ربما كان ضحية صراع داخلي على النفوذ بين أجنحة في المخزن، أو بين الأجهزة المخابراتية المختلفة ( (لا دجيد) مقابل DST مثلًا )، أو حتى خلافات مع البلاط الملكي بعد تجاوز » الخط الأحمر « .
تداعيات الهروب على صورة النظام
هذه الفضيحة تضرب في الصميم الخطاب الرسمي الذي يقدّم المغرب » كواحة إستقرار « ، وتنسف سردية “ الإحترافية الأمنية ” التي كثيرًا ما روّجت لها الرباط في علاقاتها مع الغرب، خاصة فرنسا وإسبانيا.. كما تُعري تناقضات النظام الذي يلاحق معارضيه في الخارج عبر آليات قمع خفية، ثم يجد نفسه عاجزًا أمام تمرّد داخل جهازه السيادي نفسه.
عائلات مستهدفة وأحكام في الظل!! لماذا هذا العبث؟؟
من المثير للقلق أن لا يقتصر الإنتقام على مهدي حيجاوي نفسه، بل يمتد ليطال محيطه المدني والأمني، بل وحتى عائلته المباشرة، فقد تم إصدار أحكام خفية بالسجن تراوحت بين 3 و3 سنوات ونصف في حق عدد من المقربين من حيجاوي، دون أي إعلان رسمي أو تغطية إعلامية، والأسوأ من ذلك، أن » حمامًا عصريًا » تملكه زوجته في وسط العاصمة الرباط تم إغلاقه، وجرى تقديم مسؤوليه أمام محكمة الإرهاب في سلا !؟.
إنها سياسة » الأرض المحروقة » التي يعتمدها المخزن حين يشعر بالتهديد من داخل الجهاز.. فالهدف هو سحق كل إمتداد محتمل للرجل، وتجفيف أي مصدر دعم له داخل المغرب، ولو تعلق الأمر بأقارب أو شركاء تجاريين لا علاقة لهم بما يجري.
ما يحدث هنا يكشف عن حالة ذعر داخل أجهزة الدولة، التي باتت تتعامل بمنطق الشبهة والإنتقام، لا بمنطق العدالة أو المؤسسات. حين تصل الأمور إلى محاكمات صورية لأبرياء لمجرد صلتهم العائلية أو الإجتماعية بمسؤول سابق، فهذا يعني أن النظام دخل مرحلة اللاعقل، وأن المخابرات بدأت تأكل أبناءها دون تمييز.
شخصيًا… لماذا تهمني هذه القضية؟؟
بصفتي مدوّنًا وناشطًا حقوقيًا وسياسيًا مغربيًا مستقلاً، لطالما كنتُ هدفًا لإستهدافات مباشرة وغير مباشرة من طرف جهاز لادجيد، وما تكشفه لوموند اليوم يعزز ما كنا نقوله لسنوات.. أن النظام المغربي لم يعد يفرّق بين خصومه، سواء من داخل الصف أو من خارجه.. وأن آلة القمع التي تُستخدم ضد المعارضين السياسيين، الصحافيين، المدونين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، يُمكن أن تُوجّه في أية لحظة ضد أفراد من داخل الدولة نفسها.
قضية مهدي حيجاوي لا تخص فقط رجل مخابرات قرر الهروب، بل تفضح منظومة متصدعة، تخشى الحقيقة، وتخاف أن يُكسر الصمت من داخلها.
دعوة مفتوحة للتحقيق والمتابعة
إنني أدعو المنظمات الحقوقية الدولية، والبرلمانات الأوروبية، ووسائل الإعلام الحرة، إلى متابعة هذه القضية عن كثب، والعمل على :
حماية أي مسؤول سابق يملك معطيات حقيقية قد تفضح إنتهاكات الدولة المغربية.
التحقيق في مدى تورط لادجيد في عمليات إستهداف النشطاء بالخارج، بما في ذلك إستخدام برامج تجسس مثل
» بيغاسوس « .
ضمان أن لا يتم تسليم مهدي حيجاوي لأي نظام قد يستخدم العنف والإنتقام لإسكاته.
: الخاتمة
عندما يبدأ » بيت العنكبوت » في الإنهيار من الداخل، فذلك مؤشر على أن الصمت لم يعد يحمي أحدًا، لا داخل القصر، ولا في دهاليز الأجهزة.
قضية حيجاوي ليست نهاية القصة، بل بدايتها.
محمد قنديل – مدوّن وناشط حقوقي وسياسي مغربي مستقل، مستهدف من جهاز المخابرات المغربية (لا دجيد)
المغرب #المخابرات_المغربية #المديرية_العامة_للدراسات_والتوثيق #المهدي_الحجاوي المنصوري#
Source : Mohamed Qandyl