Tags : الصحراء الغربية رسالة صدافة باهية الاستخبارات المغربية محمد عبدالعزيز
كان ذلك في عام 2011. في تلك الفترة، كانت إحدى فروع المديرية العامة للدراسات والمستندات متنكرة في هيئة شركة استشارات باسم غلوبل انتلجنس برتنرس (1)، وتحت إدارة عبد المالك العلوي، تراقب وتوثّق جميع المنشورات المتعلقة بالمغرب والصحراء الغربية. لم يكن شيء يفلت من الرادار الإعلامي لـياسين المنصوري.
كان الدبلوماسي الصحراوي صدافة باهية عاطلاً عن العمل بعد رفضه الالتحاق بمنصبه الجديد في بولندا. وإزاء اليأس الذي أصابه بسبب طول الانتظار، قرر الاحتجاج بنشر رسالة على موقع أرسو (2) موجّهة إلى الرئيس الصحراوي الراحل، تحت عنوان: «رسالة إلى أخي الكبير محمد عبد العزيز».
المقال الذي نُشر في 26 أبريل 2011 أعادت المديرية العامة للدراسات والمستندات نشره في اليوم التالي «من أجل التغطية الإعلامية»، وفقاً لرسالة عُثر عليها في صندوق البريد الإلكتروني لـمراد الغول، مدير ديوان ياسين المنصوري، وصديق الطفولة للملك محمد السادس ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية المغربي.
وفيما يلي النص الكامل للرسالة:
رسالة إلى أخي الكبير محمد عبد العزيز
[الصفحة الأولى] تشكل الصحراء كيانا في طور الميلاد ومشروعا يتقدم رويدا رويدا. ومنذ خمس وثلاثين سنة تتولون قيادته وتستطيعون إكماله أو التخلي عنه، حيث لا يسع المرء أن يعتمد كليا على الضرورة لأن الظروف تهيأ ويساعد طبعكم وقوة شخصيتكم على ذلك. ولا تعني مخاطبتكم بهذه اللغة عدم احترام شخصكم، ألستم أخي الكبير ورفيقي في الكفاح؟
لا تركنوا إلى الانتظار والانفراد، بل تصرفوا ولا تخشوا اقتراف بعض الأخطاء فقد أخطأتم مرات في الماضي.
إن حركة لا تحقق النجاح تموت، إذ ربما تتوفى بشكل بطيء ولكنه مؤكد. تعمل الجزائر ما تستطيعه (1)، شأنها في ذلك شأن بعض الأصدقاء كما يثلج صدورنا التضامن — الذي لم يتعب — رغم استقالات بارزة لا ندري من يوجد وراءها. وكما يكرره الجميع دائما، لا يستطيع الأصدقاء أن يحلوا محلنا.
إذا كنتم تريدون تجديد شباب النظام، فلتطردوا الأرواح الشريرة لتحصلوا على الباقي… وتتحملون تبعات شيطنة المصطلحين « الإصلاحات » و »التغيير ». إن قلة تسرعكم إلى التصرف تثير الحيرة. لا تعطوا الذخيرة لمن لا يحبونكم… وإلا فستتجاوزكم الأحداث وهو ما لا نتمناه أبدا.
إن تشخيص وضعية المنطقة الخاضعة لسيادتنا سرعان ما يظهر مؤسسات هزيلة وعيادات تحولت إلى أماكن تناول الشاي ومدارس وهمية… وليس من وليد الصدفة أن تهاجر أسر بكاملها إلى الجزائر وموريتانيا والمغرب وغيرها بحثا عن التعليم الجيد. من فضلكم توقفوا عن القول بأن « انتجاعهم » غير مبرر، لأن مستقبل الأطفال رهن بأهلهم، بعد أن ثبتت الاستقالة شبه التامة للمدرسة الرسمية.
على العموم تشكل أجيال المستقبل أولوية كبرى. ومن خلال تكليف رفيقكم الدائم (2) بقطاع التعليم في الثمانينيات فقد أحسنتم الاختيار فكانت مدرسة « الخيام » أكثر إشعاعا من مؤسسات محيطنا، لأن تلاميذها الذين التحقوا بعد ذلك ببلدان أخرى (3) يجتازون المراحل بسهولة غريبة. ويمثل ذلك ثمرة ظرفية معينة وأداء معلمين ملتزمين وجهدا للرجال المخلصين. ولولا تدخله الشفهي المفرط واستعاراته العدوانية وبدون فكاهة وحماسه خلال أحداث 1982، ربما كان الوزير الحالي رجلا لا يشق له غبار ومرجعا ثقافيا ونموذجا في النجاح. لقد أقلقته تلك المنشآت…
وتمثل قلة العناية بالمدارس التقليدية خطأ إضافيا ستندمون عليه يوما ما.
أخي العزيز، لا تستمعون إلى الذين يقدمون لكم صورة وردية عن الوضعية، فالتزامهم يتناسب مع « اللبن الذي تعطيه البقرة » والأغذية الموجودة في المخزن ومبلغ مصاريف المأمورية. أناشدكم بأن تنصتوا إليهم أقل فأقل لأنهم يخدعونكم. وبشكل حذر أقارنهم بالمربع الأخير من أصدقاء س الذي كان يريد أن يتحدى المنطق. بل استمعوا إلى الشباب الذين رفعوا اللافتات أيام 5 مارس وإبريل أمام مكاتبكم ولم يرموا الحجارة لكنهم رفعوا اللافتات وعندهم أكثر من مبرر لتنبيهكم.
[الصفحة الثانية] لا تخشوا النقاش مع الذين وقعوا البيان من أجل الإصلاحات، فهم خيرة الصحراويين. تقدموا، أخي العزيز. إذا كنتم تريدون مواصلة المشروع، فلبرهنوا على أن رباننا قادر على تحدي العواصف الآنية والبقاء شامخ الهامة ثاقب النظر عند المقود ولا يرتبك أمام تدفق المياه. إنكم تستطيعون فعل الكثير إن أردتم ذلك.
لا يعني هذا الطلب دعوتكم إلى حلقة من الفودو ولا نريد منكم تنازلات غير ممكنة، من جد وجد هي أغنية الذين يريدون العمل وأعرف أنكم تستطيعون ذلك. وتكرر جميع الثقافات الأمثلة التالية: ساعد نفسك يساعدك الله، يتعين على كل رجل إثبات قيمته، ضع السطل على ركبتك يرفعه الله إلى رأسك… والقائمة تطول. تقاس مصداقية حركتنا في المستقبل على ضوء ما يقوم به القائد أو القبطان خلال الأشهر القادمة.
أخي العزيز، إن هذه الخروقات المبينة أعلاه لا يمكن أن تغيب عن يقظتكم إلا إذا كانت لديكم قراءة غير موضوعية تماما.
إن الوعد المتكرر بعقد مؤتمر بوليساريو، بعد سنة من الآجال المحددة في نظمنا، يساوي في بلدان أخرى، تغييرا تعسفيا للدستور ليدرج فيه عدم محدودية الولايات ولتدخل فيه الرئاسة مدى الحياة على غرار النظم الدكتاتورية سيئة الصيت وإن هذا القرار الأحادي غير سياسي.
إن التظاهرات التي تتخلل السنة (مهرجان، ماراثون، منافسات، أمسيات غريبة جدا أو مؤتمرات الحركات الجماهيرية، الاجتماعات الدورية للأمانة العامة ولمكتبها) غير مثمرة تقريبا، حيث لا يتبعها في الغالب عمل مستمر، كما تمنح فيها مبالغ ضخمة حسب علاقات أو مزاج طالبها، فهي غير معقولة ولا تستطيع تخفيف المعاناة اليومية للاجئين الذين يفكرون في شيء آخر…
إن عقد دورات من المفاوضات غير الرسمية أكثر تحفيزا، فهي شائعة أكثر وتظهر وجودنا. لا شك أنها تراوح (4) ولكن… هل توافقون على أن نتيجة أية مفاوضات تشكل ثمرة لميزان قوى، فضلا عن اعتبارات أخرى، مثلا وضعية أندونيسيا قبل حصول تيمور الشرقية على الاستقلال السياسي وليست البندقية هي التي طردت الأندونوسيين! ومع ذلك، نعترف بأن حصافة السفير كريستوفر روس الذي لا يكل قد أنشأت جو ابتهاج، فهو « يدفعنا بقوة » حسب البعض « يجعلنا نتحمل حاضرا لا يطاق » (5).
إن العلاقات الخارجية (الوزارة والسفارات والممثليات) المكلفة صراحة بأن تكون المركز الأمامي للمنظمة بعد أن وضعت الحرب أوزارها تقدم أداء رديئا. هناك بضعة رجال في شرخ الشباب أو مجموعة من القدامى، كما يقال، يبذلون جهدهم للقيام في تواضع بالعمل الموكل إليهم. ويتم إخفاء ذلك العمل من قبل قائد يريد اغتصاب الحصيلة والشرف. « الراجل يبني حلة » يقول المتضلعون من ثقافتنا الحسانية الشفهية. إن قيادة الرجال لا تعلم في المدارس لأن رأس القائد ونبرة خطابه وحركاته يدركها القاصي والداني وتشكل ثقافته وتكوينه ومحيطه الأسري أوراقا رابحة إضافية.
[الصفحة الثالثة] 5. أعتقد أنه ليس من القساوة أن نقول للوزير غير القابل للعزل أن يحذو حذو رؤساء المؤسسات اليابانيين الذين يستقيلون إذا كانت الحصيلة دون التوقعات ليقوموا بمهام أخرى ينجحون فيها وتكون أكثر تشجيعا، الشيء الذي لا يهني إهانة لتلك الحضارة. ثم إننا لا نستطيع أن « نتاجر » دائما بأب أو أخت أو أخ ارتادوا السجن بل وحتى بشهيد. لكنني أوجه هذا الكلام إلى أخي الكبير وإليه وحده. لا يوجد فضاء حرية عندنا وفي ما يشبهه يقلص الهامش إلى أقصى الحدود.
الصمت مهلكة… لا نستطيع تقديم اقتراحات في اجتماعات يهاجمنا فيها عناصر، تم إعدادهم بالأمس، بشكل غريزي أو لإرضاء البعض ويصفوننا بالخونة. يمتاز بعض المسؤولين بعادة جنونية تتمثل في دعوة « المطربين » لنجدتهم بمناسبة اجتماعات يجب أن تخنق فيها تدخلات لا يمكن توقعها، إلا بإلقاء أمر مستنير أو بهتافات خارجة عن الموضوع وكذلك لعدم الإصرار بما يسمونه « إن العدو سيستغل هذا »، وأخيرا بدافع الانتهازية: أسرنا هي « أم السرحان » (6). ولا نريد أن نجر لهم عواصف تهكم الذين لا يعرفون قواعد اللعبة. لا يمكن أن نحرم شخصا عزيزا من إجراء إداري عادي أو من جواز سفر ليجرب حظه في مكان آخر أو من تسهيل في متناول مستوانا من الناس. وهنا في أرضنا تلتصق بكم علامات بسرعة البرق. وهذه المرة يكون الصمت أفضل بكثير أمام مجموعة — مستعدة تماما — للتنديد بكم.
إن أخي الكبير، الذكي والمسلح بتجربة خمسة وثلاثين سنة من السلطة، المتقاسمة أحيانا والمغتصبة طورا، سيجد الوسيلة المناسبة. إن إنسانيتكم، ولو وصمتها سنوات الجمر، يمكن أن تبعث من جديد.
الحمد لله على وجود العفو ولطمأنتكم فإنني لا اعرف صحراويا يظهر الميل إلى الحلول محلكم. أخي، لقد جنبتكم إدخال موضوع آخر، أقل شرفا، لا يزال يشوه سمعة المنظمة: سنوات الجمر (7). وذلك ينبئ بموضوع رسالتي القادمة. إن شاء الله.
samoba@yahoo.fr صدافه ولد محمد ولد باهيه الممثل المعين في بولندا البريد الإلكتروني
(1) خلال الزيارة الأولى التي قام بها إلى باريس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه رئيسا للجزائر، نظم استقبالا فاخرا لأصدقاء الجزائر. ورفقة السيدة أليزابيت مولر وآخرين، اقترحت على صديقتي أن أسأله عن الصحراويين. وبعد الموافقة، تعين علي فرض المرور من بين مئات الشخصيات الذي يتزاحمون لمصافحة الرئيس. ووجها لوجه نقلت أليزابيت الرسالة. أجابها الرئيس قائلا: « سيدتي، أفعل ما بوسعي ». ومنذ ذلك الحين لم يتغير بوتفليقة.
[الصفحة الرابعة – تكملة الهوامش] (2) محمد الأمين ولد أحمد. (3) الجزائر، ليبيا، كوبا، سوريا، الاتحاد السوفيتي، ألمانيا الشرقية، يوغسلافيا، بولندا وفي مرحلة لاحقة إسبانيا، فرنسا، جمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا. هناك طلاب آخرون زحفوا في الضباب، يحدوهم طلب العلم، بدون مواكبة من الحركة. وقد وعد الرئيس الراحل توماس سانكارا بفتح جامعة واغادوغو أمام الطلاب الصحراويين. وقد منعه صديقه الدائم ورفيقه « المخلص »، الرئيس الحالي بليز كومباوري من ذلك… بشكل مأساوي جدا.
(4) لا ينتظر كثير من أطرنا، الحقيقيين أو المفترضين، أي شيء من تلك اللقاءات وهي « مجرد هواء » حسب عبارة أحدهم. (5) جانه لاكوتير، المدير السابق والمشهور لجريدة لوموند في كتابه (نسيت عنوانه). (6) في الأساطير عندنا تساوي « لا تمس صديقي ».
(7) تم اعتقال أكثر من ثلاثمائة شخص وتعذيبهم وتكميمهم ووسم بعضهم بالنار وتقييد آخرين بشكل دائم وإبقاؤهم في أشد الظروف إهانة داخ ما يشبه فتحات قنينات تحت رحمة أشخاص بدون رحمة، ظروف لا يستطيع مؤلف « جحيم غوانتانامو » وصفها. بل إن أمهاتنا وأخواتنا لم ينجون. لقد ظلت أمي وأقاربي، طيلة سنوات، مستهدفين من نساء الميليشيا « الشعبية » أو المفوضين السياسيين المدجنين. وبدون دعوات والدتي، التي التحقت بجبهة البوليساريو عام 1977 قادمة من مكة المكرمة حيث كانت تريد أن تموت إلى جانب قبر النبي، والتدخل المتواضع من قبل محمد عبد العزيز كان كاتب هذه الأسطر سيوصف بأكثر الطرق وحشية كما وقع لصديقه التغره ومحمد موسى وحمتي ولد عبد الفتاح (أخي زوج أخته) وبونا ولد العالم وكثيرون غيرهم. والذين نجوا من الموت يحملون آثارا جسمية وعقلية مدى الحياة.
وأقسم لكم بأن الرغبة في إقفال هذه الصفحة السوداء صعبة للغاية. ومنذ عدة سنوات وبفعل هذه الموجة العمياء، استرعت إحدى أخواتي الكبيرات وابنها كامل انتباهي لانتشالهم من انهيار راجع. ذلك واحد من التحديات التي أريد رفعها… بالإضافة إلى تلك التي تتعلق بأخي، أخينا محمد.
ولم ينته الكابوس بعد.
(1) Global Intelligence Partners
(2) ARSO

