لقد مرّ 50 عامًا منذ أن بدأ المغرب احتلال الصحراء الغربية عبر ما يعرف بالمسيرة الخضراء. نصف قرن عاش فيه الشعب الصحراوي إما تحت الاحتلال أو في المنفى داخل مخيمات اللاجئين جنوب الجزائر، الخاضعة لإدارة جبهة البوليساريو. ولذلك، يجري أدياري دي برثلونة هذه المقابلة مع ممثل البوليساريو في كاتالونيا لنعرف كيف عاش الشعب الصحراوي هذه العقود الخمسة، وما هي استراتيجياته للمستقبل.
Tags : الصحراء الغربية المغرب جبهة البوليساريو محمد سالم لعبيد
محمد سالم لَعْبيد
ممثل جبهة البوليساريو في كاتالونيا
«إذا فشلت الأمم المتحدة، فلن نطالب بأي استفتاء بعد الآن، بل سنطالب بالاستقلال الكامل وإنهاء الاستعمار»
بقلم بابلو أرديخون دي برادا
صور دافيد فورنيس (CIEMEN)
نُشر في 29 نوفمبر 2025
تظهر على الشاشة صورٌ لمدرسة حديثة البناء في أحد مخيمات اللاجئين: لا سقف لها، فقط قطعة قماش مدعومة بعصوين، والطلاب يجلسون على الرمل ويراقبون أستاذهم الذي يمسك السبورة بيديه بينما يلقي الدرس. هذه صور من الفيلم الوثائقي الهروب من الجحيم، الذي صوّره صحفيون إسبان سنة 1975 في مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر. محمد سالم لَعْبيد، الممثل الجديد لجبهة البوليساريو في كاتالونيا، يعلّق على هذه الصور. وفي لحظة ما، تلتقط الكاميرات لقطات قريبة لوجوه الطلاب في هذه المدرسة المؤقتة، فيقول لنا لَعْبيد: «هذا قُتل في الحرب، وذاك أيضًا… نعم…».
لقد مرّ 50 عامًا منذ أن بدأ المغرب احتلال الصحراء الغربية عبر ما يعرف بالمسيرة الخضراء. نصف قرن عاش فيه الشعب الصحراوي إما تحت الاحتلال أو في المنفى داخل مخيمات اللاجئين جنوب الجزائر، الخاضعة لإدارة جبهة البوليساريو. ولذلك، يجري أدياري دي برثلونة هذه المقابلة مع ممثل البوليساريو في كاتالونيا لنعرف كيف عاش الشعب الصحراوي هذه العقود الخمسة، وما هي استراتيجياته للمستقبل.
منذ متى أنت عضو في جبهة البوليساريو؟
تقريبًا منذ البداية. أنا مناضل في البوليساريو منذ سنة 1978، حين بدأت تكويني السياسي ووعيت تمامًا بما كان يحدث في الصحراء الغربية.
ومتى كانت آخر مرة زرت فيها الصحراء الغربية؟
وُلدتُ في مدينة المحبس، شمال الصحراء الغربية، وهي اليوم تحت الاحتلال المغربي. غادرتها عام 1981 للدراسة، لكن في عام 1983 التحقت مباشرة بمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف جنوب الجزائر. لم أعد إلى الصحراء منذ ذلك الحين، فقد عشت معظم حياتي في المخيمات.
أفترض أنك تتذكر المسيرة الخضراء قبل 50 عامًا.
كنتُ شابًا عندما حدثت، وأتذكرها بشكل غامض. لاحقًا تعلّمت جيدًا ما حدث فعلاً. المسيرة الخضراء التي جرت في 6 نوفمبر 1975 كانت ستارًا لادعاء “السلمية”، عبر إدخال مدنيين إلى الصحراء الغربية، التي كانت آنذاك مستعمرة إسبانية. لكن قبلها بأسبوع، في 31 أكتوبر، حدثت المسيرة السوداء، حين دخل الجيش المغربي ودمر شمال الصحراء وبدأ إبادة جماعية ضد الشعب الصحراوي.
وبعد أيام قليلة من المسيرة الخضراء وُقّعت اتفاقيات مدريد التي تقاسم فيها المغرب وموريتانيا الصحراء. كيف أثّر ذلك على الشعب الصحراوي؟
أَلْحقَ بنا ذلك أذى كبيرًا؛ كان كأن يطعنَك أخٌ في ظهرك، خصوصًا وأن الدولتين جارتان لنا ومتقاربتان منا: عربيتان، مسلمتان وأفريقيتان. لكن المشكلة ليست هنا: كنا نعلم أن هذين النظامين كانا ضعيفين جدًا آنذاك — فالمغرب مثلاً شهد محاولتي انقلاب في 1971 و1972. من اتخذ القرار الحقيقي باحتلال الصحراء كانوا الفرنسيون والأمريكيون والإسبان، الذين شجعوا المغرب على غزوها.
وما الدور الذي لعبته إسبانيا؟
إسبانيا، بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، تتحمل مسؤولية كبيرة في ما وصل إليه الشعب الصحراوي. إعلان الأمم المتحدة 1514 (د-15) لعام 1975 نصّ على أن لا المغرب ولا موريتانيا لهما سيادة على الصحراء، وأنه يجب إنهاء استعمارها وفقًا لإرادة شعبها. كانوا يقولون إن لديهم “خطة عمل”، لكنهم سمحوا بالمسيرة الخضراء ووقعوا اتفاقيات مدريد. نحن وثقنا بإسبانيا، لكنها خانتنا.
«إسبانيا مسؤولة عن إنهاء استعمار الصحراء الغربية، لكنها تتجاهل مسؤولياتها»
وماذا عن الوضع اليوم؟
من الناحية القانونية، إسبانيا هي المسؤولة عن عملية إنهاء الاستعمار في الصحراء. تدّعي إسبانيا أنها حكومة معتدلة، تقدمية، ومناصرة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، لكنها تخرج لتدعم احتلالًا غير قانوني وفق الأمم المتحدة. إنها تتجاهل مسؤوليتها كقوة مديرة لمستعمرتها السابقة.
في عام 1976، زار فيليبي غونثاليث مخيمات اللاجئين ووعد الصحراويين بحلّ، لكنه عندما وصل إلى الحكم تجاهل القضية. ماذا مثّل ذلك لكم؟
أتذكر خطابه عام 1976: «سنكون معكم حتى النصر النهائي». لكن بعد أن تولى السلطة، كان هو من زوّد المغرب بالسلاح، وكان هو من وقّع اتفاق الصيد البحري معهم ثم قدمه للاتحاد الأوروبي، وهو من طرد ممثلينا من مدريد. إنه أسوأ شخص رأيناه على الإطلاق؛ لقد ألحق بنا ضررًا هائلًا.
بعد نصف قرن من الاحتلال المغربي، كيف عاش الشعب الصحراوي هذه السنوات؟
تأثرنا في كل الجوانب. نحن شعب مقسّم إلى ثلاثة أجزاء: جزء تحت الاحتلال المغربي، آخر في المناطق المحررة من قبل البوليساريو، وثالث في مخيمات اللاجئين بالجزائر. الذين يعيشون تحت الاحتلال في حالة لا يمكنكم تخيلها هنا: انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان، إضافة إلى تعتيم إعلامي تام — لا أحد يتحدث. منذ 2005 فقط خسرنا 24 شابًا قُتلوا رميًا بالرصاص في الشوارع.
وكيف نجح المغرب في فرض هذا الصمت الإعلامي؟
ليس المغرب وحده، بل إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة هم من يصمتون. نحن نرسل كل شيء للصحافة هنا، كل المعلومات، لكنها لا تُنشر. بطبيعة الحال، المغرب لا يريد أن يُعرف شيء عن الانتهاكات، لكن الحكومات هنا أيضًا لا تريد ذلك، لأن الإعلام لا يتحدث عن الصحراء. لا أحد يريد إظهار الحقيقة للجمهور.
«الشعب الصحراوي يعيش نصف قرن في مخيمات للاجئين، على أرض ليست أرضه»
كيف يعيش الصحراويون في المخيمات بعد 50 عامًا؟
نصف قرن نعيش في أرض قاحلة ليست أرضنا، كلاجئين. ونَعتمد بالكامل على المساعدات الإنسانية. كل ما يُؤكل في المخيمات توزعه الهلال الأحمر الصحراوي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهذا وضع صعب للغاية، لأننا أحيانًا نتعرض للابتزاز عبر هذه المساعدات: تخفّض الدول المانحة مساهماتها، ولا تقدم ما يجب أن تقدمه، ونعاني كثيرًا.
ومن يملك السلطة في هذه المخيمات؟
في المخيمات والمناطق المحررة من الصحراء، السلطة تعود للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (الجمهورية الصحراوية).
وما الفرق بين الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو؟
البوليساريو هو حركة التحرر الوطني، أما الجمهورية الصحراوية فهي الدولة الصحراوية. كل حركات التحرر أنشأت حكومات في المنفى، لكننا نحن أنشأنا دولة كاملة في المنفى. إنها دولة تعمل: لدينا وزارات، نظام صحي وتعليمي، مستشفيات، جوازات سفر دبلوماسية وعادية، برلمان، نظام قضائي… لدينا كل شيء. بل إن الجمهورية الصحراوية من الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي، ونشارك في القمم الدولية، ولدينا علاقات دبلوماسية واعتراف من دول كثيرة.
وكيف نُقلت الثقافة الصحراوية إلى الأجيال الجديدة التي عاشت تحت الاحتلال أو في المنفى؟
الثقافة الصحراوية تُنقل شفهيًا، جيلًا بعد جيل. لدى وزارة الثقافة برنامج يسمى «اخبرني يا أبي»، وهو مشروع لحفظ ثقافتنا وتاريخنا. التلفزيون والإذاعة ساعدانا كثيرًا أيضًا. لدينا الآن ما بين 600 و700 متخصص، وكل شيء لدينا مُسجّل.
ويبدو أنكم اضطررتم لمواكبة العصر.
نعم، لقد رقمنّا كل شيء أيضًا.
أفهم أنك قبل أن تصبح ممثل البوليساريو في كاتالونيا كنت مديرًا لقناة RASD TV. ما هي بالضبط؟
صحيح. RASD TV هي القناة الرسمية للجمهورية الصحراوية. بدأنا المشروع سنة 2003 هنا في كاتالونيا، لأن لدي أصدقاء في قناة TV3 وفي جامعة برشلونة المستقلة ساعدوني كثيرًا. كان مشروعًا بطيئًا، لكن في سنة 2009 بدأنا البث عبر الأقمار الصناعية.
وأين يمكن مشاهدتها؟
يتم بثها في المناطق المحررة وفي مخيمات تندوف، كما يمكن مشاهدتها عبر الإنترنت في أي مكان في العالم. كنا من أوائل القنوات التي بثّت عبر الإنترنت.
وبالنظر إلى المستقبل، ما هي استراتيجية الجمهورية الصحراوية والبوليساريو بعد 50 سنة من الاحتلال؟
الاستمرار في النضال. نحن واثقون أن لا فرنسا ولا الولايات المتحدة ولا إسبانيا ولا دول الخليج يمكنها منح الصحراء للمغرب، لأن من يقرر مستقبله هم الصحراويون فقط. لقد قررنا مستقبلنا، لكننا نقبل بخيار الاستفتاء لأن الأمم المتحدة تطلب ذلك بصفتها وسيطًا. أما إذا فشلت الأمم المتحدة، فلن نطالب بأي استفتاء بعد اليوم، بل سنطالب باستقلالنا الكامل وإنهاء الاستعمار.
«لقد صمدنا 50 عامًا من الاحتلال، وسنصمد 100 عام أخرى إذا لزم الأمر لنيل الاستقلال»
وبماذا تملكون من وسائل؟
لدينا الكثير: لدينا الكفاح المسلح، وشعبنا مستعد لتحمل وتيرة النضال. ولدينا حركة تضامن واسعة في العالم، وجبهات قانونية في أوروبا وأفريقيا. هذه أسلحتنا وسنستخدمها. لن نتوقف حتى نحقق الاستقلال الكامل للصحراء الغربية مهما كان الثمن. الشعب الصحراوي سيصمد، فقد صمد 50 عامًا، ويمكنه الصمود 100 أخرى إذا لزم الأمر.
في 30 أكتوبر الماضي، اجتمع مجلس الأمن للتصويت على قرار حول الصحراء الغربية، اقترحته الولايات المتحدة قبل أيام. القرار اعترف بالسيادة المغربية وأغلق باب الاستفتاء. كيف عاش الصحراويون الأيام السابقة للتصويت؟
إن سألتني شخصيًا، فهذا لا يؤثر بي. إطلاقًا. الولايات المتحدة حليف سياسي وعسكري تاريخي للمغرب، ولا يمكن أن نتوقع منها شيئًا آخر. أعلم أن من يقرر مستقبل الصحراء هم الصحراويون فقط.
سياسيًا، الأمر سيّئ للغاية، لأننا كنا نتحدث سابقًا عن الاستفتاء وحق تقرير المصير، والآن نتحدث عن خطط حكم ذاتي تحت السيادة المغربية. ونعلم أن المغرب لم يُعِدّ هذا القرار؛ الولايات المتحدة هي التي كتبته، والآن يحاولون فرضه على البوليساريو. صحيح أن النسخة النهائية التي صُوّت عليها تترك الباب مفتوحًا للاستفتاء، لكنني لا أعتقد أن هناك نية صادقة لإيجاد حل.
وفي ذلك التصويت، امتنعت الجزائر. لماذا؟
لم تمتنع؛ بل لم تشارك في التصويت أصلاً. العام الماضي أيضًا لم تشارك في تصويت مشابه، لأنها ترى أن هذه القرارات تُطبخ بين أعضاء مجلس الأمن وبمبادرة أمريكية، من دون إشراك الصحراويين.
إذن العلاقات مع الجزائر ما تزال جيدة؟
ممتازة. لدينا دعم دول مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وإثيوبيا، لكن الدعم الجزائري هو الأهم لأنه بلد مجاور ولأن مخيماتنا على أراضيه. إنها علاقة استراتيجية أساسية للجمهورية الصحراوية.
ما رأيك في أن دونالد ترامب يحاول حل عدة نزاعات دولية ليحصل على لقب “رئيس السلام”؟
لا أظن أن الأمر متعلق بترامب كشخص، بل بالولايات المتحدة كدولة. هناك منذ مدة ضغط كبير لتغيير بنية مجلس الأمن: إضافة دول آسيوية أو أفريقية كأعضاء دائمين، أو حتى إلغاء حق النقض. ولذلك أرى أن الولايات المتحدة تستغل أقصى ما تبقّى من نفوذها لو كان ذلك عبر دهس القانون الدولي.
Diari de Barcelona : المصدر