من جهةٍ القرار يُجدد ولاية بعثة المينورسو وفق قرارات الأمم المتحدة السابقة التي تجعل تنظيم استفتاء لتقرير المصير محور التفويض الأممي، وجوهر مهمة المونيرسو ، لكنه من جهةٍ أخرى يُدرج خيار الحكم الذاتي "كحلٍّ واقعي" — في ازدواجٍ غير مسبوق بين التمسك بالشرعية والترويج لموقفٍ سياسي أحاديٍّ من طرفٍ واحد
Tags : الحكم الذاتي المغرب الصحراء الغربية مجلس الأمن الولايات المتحدة جبهة البوليساريو
بقلم: عبد الله بونا / خبير استراتيجي
31/اكتوبر2025
بعد ميلاد عسير وتعديلات عديدة لمسودته؛ وعجز واشطن والرباط وباريس عن تمريه كما أرادا، يبدو أن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء الغربية قد جاء محمّلاً بتناقضاتٍ جوهرية تمسّ بنيته النصية ومرجعيته القانونية معاً.
فهو من جهةٍ يُجدد ولاية بعثة المينورسو وفق قرارات الأمم المتحدة السابقة التي تجعل تنظيم استفتاء لتقرير المصير محور التفويض الأممي، وجوهر مهمة المونيرسو ، لكنه من جهةٍ أخرى يُدرج خيار الحكم الذاتي « كحلٍّ واقعي » — في ازدواجٍ غير مسبوق بين التمسك بالشرعية والترويج لموقفٍ سياسي أحاديٍّ من طرفٍ واحد.
إن هذا التناقض يُفقد القرار تماسكه القانوني، لأن المرجعيات الأممية لا تعرف إلاّ مبدأ تقرير المصير كحقٍّ أصيل وغير قابل للمقايضة.
وبذلك يصبح القرار الحالي نصًّا مزدوج الهوية، أمميٌّا في ديباجته، سياسيٌّا في مقاصده.
وهذا ما يجعل منه انتصاراً للشرعية الصحراوية، لأنّ مجلس الأمن نفسه — رغم ضغوط واشنطن وباريس — لم يجرؤ على إسقاط مرجعية الاستفتاء، ولا على إعلان مغربية الصحراء بشكلٍ صريح.
أما امتناع الجزائر عن التصويت، فقد شكّل في الواقع فيتو دبلوماسياً ضمنياً؛ إذ لا يمكن لأيّ حلٍّ أن يمرّ أو يُنفّذ على الأرض دون دعم الجزائر، التي تمثل الضامن الجغرافي والسياسي والقانوني لمسارٍ أمميٍّ حقيقي نحو الحلّ العادل.
وكذلك دهاء البوليساريو السياسي ، فقد ضغطوا بما يكفي لإرباك معدي المسودات ثم أعلنوا رفضهم لما يناقض المرجعية الأممية التي على أساسها جدد لبعثة المونيرسو. وبدون الجزائر والبوليساريو ، لاوجود لحل واقعي مطلقا.
ولقد ضيع المغرب وحلفه الصهيوني فرصة ذهبية لحل سلمي للقضية ، فالبيانات الصحراوية كانت تحمل لغة محملة بالكثير ، تقاسم فاتورة السلام مع المغرب واستعداد لشراكة استراتيجية بين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والرباط ، ضمن حلف مغاربي تسوده المودة ، وصناعة المصالح والسلام الدائم.
وقد ثبت أن البوليساريو متقدمة على الجميع في صدق إرادة السلام عبر استفتاء متعدد الخيارات
تقرير المصير بتصويت الشعب الصحراوي للاستقلال-
تقرير المصير بتصويته لحكم ذاتي موسع-
تقرير المصير باختيار الانضمام الكامل للمغرب.-
لكن المغرب يخاف حد الذعر ذلك الاستفتاء الحر للصحراويين ، ويهرب إلى وهم الخيار الواحد!.
و يعكس القرار الذي صدر تراجعاً في نفوذ الولايات المتحدة داخل المنظومة الأممية، بعد أن فشلت في تمرير صيغةٍ أكثر انحيازاً للمغرب.
كما يُظهر عجز الرباط عن حشد تأييدٍ دولي صريح، إذ بقيت مواقف الدول الكبرى حذرةً، متمسكةً بعبارة “حلٍّ سياسي واقعي ودائم ومتوافق عليه”، دون المساس بجوهر الشرعية الدولية.
إن الشرعية القانونية لا تُستمد من التوازنات الظرفية ولا من النصوص الملغّمة، بل من الانسجام بين المبدأ والتطبيق.
ومن هنا فإنّ القرار — في صورته الحالية — ليس انتصاراً للرباط أبدا، بقدر ما هو تعبير عن مأزقٍ أمميٍّ في إدارة ملفٍ استعصى على التسويات الشكلية.
وما لم تُفعّل الأمم المتحدة الآلية الجوهرية لتقرير المصير عبر الاستفتاء متعدد الخيارات ، فسيبقى كل تجديدٍ لبعثة المينورسو مجرد تمديدٍ للأزمة، لا للحلّ.
احتفال المغرب بالنصر الوهمي
كعادتها أعلنت الرباط نصرا دبلوماسيا وهميا ، على لسان الملك ، وهي حالة مألوفة في المغرب، وكأن البوليساريو واللاجئين الصحراويين سيتدفقون في اليوم التالي إلى الصحراء الغربية ، تائبين من « جريمة المقاومة » نصف قرن ؛ لآخر أبشع احتلال في إفريقيا ؛ وكان الاتحاد الإفريقي سيعلن شطب عضو مؤسس هو الجمهورية العربية الصحراوية، وكأن الملايين من أحرار العالم المناصرين لحق تقرير المصير للشعب الصحراوي البطل ؛ سيعلنون فورا دعمهم لمغربية الصحراء.
فلتحتفل الرباط بأوهام النصر، كما احتفلت بأوهام نهضة المغرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، حتى فاجأها الشعب المغربي بثورة الكرامة ، وإعلان إفلاس حكومته وزيف بياناتها عن تطور الخدمات والاقتصاد الاجتماعي ، على الطريقة المغربية.
تلك الطريقة التي يتحدث عنها برلمانيون وحقوقيون مغاربة عن خبز الفقراء المعد من طحين الكرتون.
وعن تكميم غير مسبوق للأفواه ومصادرة للحريات ..
احتفال بوهم هو نسخة من أوهام متراكمة ، كثيرا ماسوقها المخزن لشعبه المسكين ، كمشروع إمداد بريطانيا بفائض من الطاقة النظيفة ، وثلث شعب المغرب بلا كهرباء ، وكمشروع أنبوب نجيريا العابر ل11دولة ، وكمشروع ولوج دول الساحل إلى الأطلسي عبر المغرب!
وكمشروع دعم ميزانية التعليم والصحة عام 2026 ب15مليار دولار.
وكمشاريع وهمية لاحصر لها ، في بلد يدمن صناعة الأوهام.
ضربة جزائرية صحراوية مزدوجة ذكية
لقد أوقع الضغط الجزائري بمكر استراتيجي دبلوماسي ، والضغط الصحراوي المناور ، امريكا والرباط في مأزق قانوني ودبلوماسي ، حين فرضا تعديلات عديدة على مسودة القرار ، أفرغته من المحتوى الذي أراد ترامب والمغرب والحلف العربي الصهيوني ، ووققا ضده بحذاقة دبلوماسية قل نظيرها.
فكيف سيمرر قرار متناقض لا تدعمه الجزائر ولا البوليساريو ؟
هل تستطيع امريكا وفرنسا وبعض دول الخليج ، تحقيق نصر نصي شرعي على البوليساريو ، بعد سنوات من القتال مع المغرب ضدهم،
كلا.
وكما هزمت المقاومة الفلسطينية نفس الحلف المتآمر على الأمة في فلسطين ، فستكون هزيمته في الصحراء الغربية أشنع.
صحيح أن ماقبل 31اكتوبر 2025ليس كما بعده.
فوتيرة حرب التحرير ضد جيش الاحتلال المغربي ستشتد وتتفاقم .
وسيزداد المغرب عزلة على عزلته
وستأخذ الثورة الصحراوية في الداخل خطا أبرز حضورا وأحر حماسا وأعمق وطنية.
فمالم يصنعه نابالم فرنسا وامريكا ضدهم في سنوات الحرب لن تصنعه نصوص هزيلة متناقضة المحتوى.
وعلى الباغي تدور الدوائر