Tags: المغرب برلمان عبد اللطيف الحموشي فؤاد علي الهمة DGST محمد ااسادس
التشرميل السلطوي.. قراءة تحليلية في مقال الصحفي سليمان الريسوني
مقال الصحفي والمعتقل السياسي السابق سليمان الريسوني حول هجمات موقع < برلمان.كوم > على رموز جناح علي الحمة، يكشف حدثًا غير مسبوق في تاريخ النظام المغربي.. جهاز أمني يهاجم علنًا رموز البلاط التي كان يفترض أن يحميها، فالريسوني توقف عند هذه الظاهرة بإعتبارها خرقًا للسلوك التقليدي لأجهزة المخابرات وصحافتها، التي كانت تهاجم دومًا المعارضين والنشطاء وتبتعد عن مربع المستشارين والوزراء النافذين.
لكن إذا كان الريسوني قد ركّز على وصف هذه الوقائع غير العادية، فإن القراءة الأعمق تفرض نفسها.. ما يجري اليوم لا يتعلق بمجرد خلاف عابر بين الحموشي والحمة، بل يعكس هشاشة بنيوية في منظومة الحكم، فالنظام المخزني الذي كان يحرص على إبقاء خلافاته في الظل، صار يكشف عن شروخه أمام الرأي العام، وهذا وحده مؤشر على أن المغرب دخل مرحلة جديدة، حيث الأجهزة تتصارع علنًا على النفوذ، حتى لو أدى ذلك إلى ضرب صورة الملكية نفسها.
غياب الملك ومرضه يشكلان الخلفية الأبرز لهذا المشهد، ففي أنظمة الحكم الفردي، حضور الملك هو الضامن لتوازن الأجنحة المتصارعة، أما حين يغيب، فإن الفراغ يُغري الأجهزة بالتمدد وتصفية الحسابات، بل وإستعمال الإعلام كسلاح في حرب مواقع. عبد اللطيف الحموشي، الذي صعد بفضل خدماته الأمنية للغرب في ملف < الإرهاب >، لم يعد يكتفي بدور التابع، بل يسعى إلى تثبيت نفسه كفاعل مستقل داخل البلاط، حتى ولو كان الثمن هو مهاجمة < أسياده > السابقين وأولياء نعمته.
هذا ما كان يقصده (( الأمير هشام العلوي )) حين تحدث عن
< غباء وفساد الأجهزة > التي تجاوزت مرحلة إبتزاز الشعب والنشطاء إلى إبتزاز بعضها البعض، ومحاولة فرض وصايتها على القصر نفسه.
خطورة هذه المرحلة أن النظام لم يعد قادرًا حتى على حماية صورته الداخلية.. الأدوات نفسها التي دمّرت حياة المعارضين عبر التشهير والتلفيق، تُستعمل اليوم بين الأجنحة المتصارعة، لتكشف أن المخزن لم يعد كتلة صلبة كما كان يُسوَّق.
النتيجة أن المغرب يعيش مرحلة يمكن تسميتها < بالتشرميل السلطوي >، أجهزة أمنية تتعامل مع الدولة كما لو كانت غنيمة، تتبادل الطعنات علنًا، بينما الشعب المغربي يدفع الثمن مضاعفًا، لقد دفعه حين استُعملت هذه الأساليب ضده، ويدفعه اليوم وهو يرى أن مصير وطن بأكمله صار رهن حسابات عصابات متناحرة، لا يهمها سوى توسيع حصتها من السلطة والثروة.
ما بدأه سليمان الريسوني كتوثيق لظاهرة غير مسبوقة، يكشف لنا إذن حقيقة أبعد.. أن المغرب لم يعد يواجه فقط إستبدادًا ملكيًا – مخزنيًا يطحن معارضيه، بل يواجه خطر إنهيار داخلي لنظام فقد بوصلته وصار يلتهم نفسه من الداخل، وهذه أخطر رسالة يمكن أن تخرج من أعلى هرم السلطة إلى الداخل والخارج معًا.. المغرب لم يعد محكومًا، بل متنازعًا عليه.
رحم الله هذا الشعب، ولا رحِم من إستبد وفسد وتلاعب بمصيره.
محمد قنديل – مدون، ناشط حقوقي وسياسي مغربي مستقل