Tags: المغرب المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ع
من مكافحة الإرهاب إلى تجارة المخدرات.. تسريبات تكشف الوجه القذر للمخابرات المغربية
كيف يثق العالم بجهاز أمني اخترقته قناة على تليغرام؟
يقف المغرب اليوم في قلب فضيحة أمنية مدوية عرت فضائحه و كشفت هشاشة نظامه. بعد أن وجدت المخابرات المغربية الديجيستي نفسها أمام أكبر اختبار لوجودها وصورتها. الجهاز الذي قدّم نفسه طيلة عقود كـ”جدار فولاذي” يحمي الدولة ويضمن استقرارها. اتضح للملأ أنه مجرد وهم، بعدما فجّرت قناة “جبروت” تسريبات صادمة حملت أسماء ومسارات قيادات الصف الأول داخله. ولم يعد الأمر مجرد تسريب عابر أو اختراق ثانوي يمكن تجاوزه. بل تحول إلى انهيار شامل لجهاز يفترض أنه محصّن بأقصى درجات الحماية، فإذا به يفضح هشاشة لا تليق حتى بمؤسسة ثانوية. فما بالك بما يسمى نفسه و يدعى القوة من خلال تسمية “الأمن الأقوى في المملكة“.
المغرب – تجارة المخدرات
وبحسب المعطيات المنشورة، لم تترك هذه التسريبات أي مجال للإنكار أو المناورة، إذ تضمنت قائمة طويلة من الأسماء التي تساقطت تباعًا. رزرازي عبد الله مدير مكافحة التجسس، البلِيدي سيف الدين مدير الموارد البشرية وصديق شخصي للملك محمد السادس، حمدين عبد الرحيم المدير الجهوي للدار البيضاء، رندور عبد الله رئيس ديوان حموشي، محمد راجي مهندس نظام “بيغاسوس” والمسؤول عن التنصت الهاتفي، زهدين محمد المدير الجهوي لطنجة. بوعرورو محمد خبير المحاسبة المطلع على التدفقات المالية للمخدرات، حبوب الشرقي مدير المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب. بنيهود البشير المدير الجهوي للرباط، وبلفايدة عبد اللطيف المكلّف بالتجسس المضاد المتقدّم.
هذه الأسماء لم تكن مجرد مناصب إدارية يمكن تعويضها، بل تمثل العصب الحيوي للجهاز، فإذا بها تُلقى إلى الضوء كأوراق محروقة فقدت قيمتها العملياتية.
الأمن الأقوى؟ أم الكذبة الأكبر؟
وما ضاعف من حجم الصدمة لدى المغاربة أنّ التسريبات لم تتوقف عند الأسماء والوظائف. بل امتدت إلى تفاصيل أكثر خطورة، شملت أرقام بطاقات وطنية، بيانات بنكية، ومعطيات وظيفية دقيقة. هذا النوع من المعلومات لا يُكشف إلا في حالتين: إما باختراق عميق لبنية الجهاز الداخلية، وإما بتواطؤ داخلي خطير. وفي الحالتين، النتيجة واحدة: جهاز فقد السيطرة على نفسه، فكيف يمكن أن يسيطر على محيطه؟ وكيف يمكن لجهاز يُفترض أنه يدير أخطر الملفات المرتبطة بالإرهاب والتجسس والمخدرات أن يعجز عن حماية ملفات قادته؟ إنها بلغة الأمن تعادل “الإعدام الوظيفي” للكوادر المعنية، لأن أي اسم يُكشف يصبح مكشوفًا أمام الاستهداف والتجنيد المضاد والابتزاز.
كما تجاوزت تداعيات الفضيحة نطاق الإحراج الإعلامي، لتضع المخابرات المغربية التي طالما تباهت بشراكاتها مع أجهزة دولية كالإسبانية والأمريكية والفرنسية تحت مجهر التساؤلات. فكيف سيطمئن الشركاء لتمرير معلومات حساسة إلى جهاز تسربت بياناته البنكية. وظهرت في صفوفه أسماء مرتبطة بملفات تمويلات مشبوهة مصدرها تجارة المخدرات؟. وأي ثقة ستبقى حين يتأكد أن من يقودون مكافحة الإرهاب أنفسهم عاجزون عن حماية أسرارهم؟
المغرب في العراء: المخابرات بلا أسرار… وبلا هيبة
وأمام هذه التطورات، تجد الرباط نفسها في مواجهة زلزال حقيقي، ليس فقط لأن جهازًا محوريًا انكشف. بل لأن صورة “القلعة الأمنية” التي بناها النظام لعقود انهارت في لحظة. هذه التسريبات لم تُحرج الجهاز فحسب، بل عرّته حتى العظم، وأثبتت أن ما كان يُسوّق على أنه “منظومة فولاذية” لم يكن سوى هيكل ورقي ينهار عند أول ضربة رقمية. وإذا كان النظام المغربي يراهن على أجهزته لإحكام قبضته داخليًا والترويج لصورته خارجيًا، فإن ما وقع يضعه اليوم في موقف لا يُحسد عليه: جهاز فاقد للثقة، مخترق، مكشوف أمام الداخل والخارج، وعاجز حتى عن إنقاذ سمعته.
وبذلك، تتحول القضية إلى فضيحة دولة بكل المقاييس. فالمخابرات المغربية لم تسقط بفعل مواجهة عسكرية أو عملية إرهابية، بل انهارت بفعل تسريب رقمي واحد أطلق النار من الداخل وكشف هشاشتها أمام الجميع. والفضيحة مرشحة للتفاقم مع مرور الوقت. والنتيجة الحتمية واحدة: المغرب خسر سلاحه الأبرز، صورة جهازه السري، وأصبح عاجزًا عن التستر على ضعفه. هذه ليست مجرد كبوة عابرة يمكن تجاوزها، بل وصمة عار ستبقى تلاحق المخابرات المغربية لعقود طويلة، وتجعلها شاهدًا على انهيار أسطورة “الأمن الأقوى” التي لم تصمد أمام اختبار الحقيقة.