ورقة إستراتيجية حول الصراع بين القصر والمخزن في المغرب
مقدمة
🔻 شهد المغرب مؤخرًا تسريبًا قصير العمر نشرته مجموعة
جبروت على قناتها في تليغرام، تضمن معطيات حساسة تتعلق بتورط جهاز الديستي داخل القصر الملكي نفسه، وصولًا إلى عمليات يُشتبه في أنها تستهدف ولي العهد عبر دس أدوية في طعامه.. ورغم حذف التسريب بعد دقائق من نشره، إلا أن مجرد ظهوره يعكس مستوى خطيرًا من الصراع الداخلي بين المؤسسة الملكية وأجهزتها الأمنية.
أولًا : دلالات التسريب والحذف السريع
🔹️ رسالة داخلية أكثر منها معلومة علنية.. النشر ثم الحذف يشير إلى أن الهدف لم يكن بالضرورة الرأي العام، بل دوائر ضيقة داخل النظام.
🔹️ حساسية المعطيات.. ذكر أسماء وأدوية محددة مثل سبيرونولاكتون (*) يعكس وجود مصادر دقيقة، وفي الوقت نفسه يفسر سبب المسح الفوري خشية وصولها إلى تداول أوسع.
🔹️ حرب أجهزة مفتوحة.. التسريب يعكس صراعًا غير مسبوق بين القصر وأجهزة يفترض أنها خاضعة له، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات زعزعة داخلية.
ثانيًا : التحولات البنيوية في علاقة الملكية بالمخزن
تقليديًا، إرتبط إستقرار النظام المغربي بتماهي الملكية مع المخزن ( الأجهزة الأمنية، الجيش، الإدارة )، اليوم، يبدو أن المخزن لم يعد مجرد أداة في يد الملك، بل مركز قوة موازية قد يعمل ضد القصر نفسه.
هذا التطور يهدد بتقويض أسطورة « قداسة الملكية »> التي شكلت أساس شرعية النظام لعقود.
ثالثًا : مخابرات الحموشي وصناعة ملك على المقاس
التسريبات الأخيرة توحي بأن جهاز الديجيستي (**) بقيادة عبد اللطيف الحموشي لم يعد يكتفي بأدواره الأمنية التقليدية، بل يسعى إلى لعب دور مباشر في تحديد مستقبل العرش.
الحديث عن دس أدوية في طعام ولي العهد، سواء صحّت التفاصيل أو لم تصح، يكشف عن محاولة لإضعاف أو التحكم في الوريث المفترض للملك محمد السادس.
هذا السلوك يعكس إرادة الأجهزة في صناعة ملك على المقاس، أي ملك ضعيف أو مُسيطر عليه، يسمح للمخزن بأن يحتفظ بالسلطة الفعلية بينما يظل العرش مجرد واجهة شكلية أمام الداخل والخارج.
بذلك، يتحول ميزان القوة من معادلة تاريخية كان فيها الملك هو « المخزن الأعلى »، إلى وضع جديد حيث الأجهزة الأمنية تضع يدها على وراثة العرش نفسها، في سابقة خطيرة تهدد جوهر الملكية كنظام حكم مطلق.
رابعًا : السيناريوهات المحتملة
🔸️ إبتلاع الأجهزة للملكية
تحول القرار الفعلي إلى يد قادة المخابرات والأجهزة العسكرية، مع الإبقاء على الملكية كواجهة رمزية.
🔸️ إنفجار داخلي وإنهيار سريع
إنعدام الثقة بين القصر وأجهزته قد يقود إلى تصفيات داخلية أو إنقلاب أبيض، خصوصًا مع الضغوط الإجتماعية والإقتصادية المتزايدة.
🔸️ إعادة ترتيبات داخلية محدودة
قد يحاول الملك إستعادة السيطرة عبر تغييرات في قيادة الأجهزة، لكن عمق الشرخ يجعل النجاح صعبًا على المدى الطويل.
خامسًا : إنعكاسات على الاإستقرار الإقليمي والدولي
المغرب يمثل ركيزة مهمة للغرب في قضايا الهجرة، الأمن، ومكافحة الإرهاب، أي صراع داخلي بين القصر والمخزن يهدد بإنهيار هذه الشراكة ويخلق فراغًا أمنيًا في المنطقة المغاربية والساحل.
من مصلحة المجتمع الدولي فهم أن النظام المغربي لم يعد كتلة واحدة مستقرة، بل بنية متصدعة قابلة للإنهيار.
سادسًا : البديل السياسي – نحو جمهورية فدرالية
في ظل تفكك التحالف التقليدي بين الملكية والمخزن، تبرز الحاجة إلى مشروع بديل يضمن الإستقرار على أساس ديمقراطي.
المعارضة في الخارج تطرح بوضوح خيار الجمهورية الفدرالية، القائم على :
سيادة الشعب كمصدر وحيد للشرعية.
فصل حقيقي للسلطات.
توزيع عادل للثروة والسلطة بين الجهات.
إنهاء هيمنة الأجهزة الأمنية على القرار السياسي.
هذا النموذج يوفر للمغرب إستقرارًا طويل الأمد، بعكس النظام الحالي الذي يقوم على تحالفات ظرفية داخلية وخارجية باتت تتآكل بسرعة.
خاتمة وتوصيات
التسريبات، رغم حذفها، تكشف عن أزمة بنيوية داخل النظام المغربي بين الملكية والمخزن.
على المجتمع الدولي أن يتعامل مع المغرب ليس كحليف مستقر، بل كدولة مقبلة على تحولات جذرية.
دعم الإنتقال نحو نظام جمهوري فدرالي ديمقراطي سيكون الضمانة الوحيدة لإستقرار حقيقي ومستدام في المنطقة.
محمد قنديل – مدون، ناشط حقوقي وسياسي مغربي مستقل
(*) spironolactone
(**) DGST